1 ـ البحار 11 / 70 ـ 71 باب (علة المعجزة وأنّه لِمَ خَصَّ الله كلَّ نبيَّ بمعجزة خاصة) نقلا عن علل الشرائع / ص: 52، وعيون الأخبار 2 / 80.
(فَعَقَرُوها فَأَصبَحوا نادِمين) (الآية 157).
وإذا نزلت الآية حسب طلب قوم النبىِّ ولم يؤمنوا بها استحقوا الرجز والعذاب، فيعذِّبهم اللهُ تعالى كما أخبر في السورة نفسها عن عاقبة قوم ثمود ـ أيضاً ـ وقال عزَّ اسمه:
(فَأَخَذَهُمُ العَذابُ إِن في ذلِكَ لآيةً ومَا كانَ أِكثَرُهُم مؤمنين) (الآية 158).
ويكون إتيان الآية للأنبياء بمقتضى الحكمة، ومقتضى الحكمة إتيان الآية بالمقدار الذي يظهر لمن أراد أن يؤمن بالربِّ ورسوله أنَّ الرسولَ صادقٌ في دعواه وليس بمقدار تعنّت الأقوام التي تأبى الإيمان بالربَّ وبرسوله على أيِّ حال، ولا تأتي ـ أيضاً ـ بالأمر المحال كما ورد الأمران في طلب قريش من خاتم الرسل (ص) وذلك بعد أن آتى الله قريشاً من آياته ما اختص العرب به: كَلاماً بليغاً، وخاطبهم في سورة البقرة وقال لهم:
(وإن كُنتُم في رَيب مِمّا نَزَّلْنا على عَبدِنا فَأْتوا بِسُورَة مِن مِثْلِهِ وِادعُوا شُهداءَكُم مِن دونِ اللهِ إنْ كُنتُم صادِقين* فَإنْ لَمْ تَفعَلوا وَلَن تَفعَلوُا فَاتَّقُوُا النّارَ الّتي وَقوُدُها النّاسُ وَالحِجارَةُ أُعِدتَّ لِلكافِرين) (الآيتان 23 ـ 24).
وقد أخبر الله تعالى في سورة الإسراء عن أنواع تعنُّتِهم وقال:
(قُلْ لَّئِنِ اجتَمَعَتِ الإنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأتُوا بِمِثلِ هذا القُرآنِ لا يَأتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لِبَعض ظَهيراً* وَلَقَد صَرَّفنا لِلنّاس في هذا القُرآنِ مِن كُلِّ مَثَل فَأَبى أَكثَرُ النّاسِ إلاّ كُفُوراً* وَقالُوا لَن نُّؤمِنَ لَكَ حَتى تَفجُرَ لَنا مِنَ الأرضِ يَنبُوعاً* أَو تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِن نخِيل وعِنَب فَتُفَجِّرَ الأنهارَ خِلالَها تَفجِيراً* أو تُسقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمتَ عَلَينا كِسَفاً أو تَأْتَيِ بِاللهِ وَالمَلائِكَةِ قَبِيلا* أَو يَكُونَ لَكَ بَيتٌ مِن زُخرُف أَوْ تَرقى في السَّماءِ وَلَن نؤمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَينا كتاباً نَقرَؤهُ قُل سُبحانَ رَبِّي هَل كُنَتُ إلاّ بَشَراً رسُولا* وَما مَنَعَ النّاسَ أَن يُؤمِنُوا إِذ جاءَهُمُ الهُدى إلاّ أَن قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رسُولا * قُل لَو كانَ في الأرضِ مَلائِكَةٌ يَمشُونَ مُطمَئِنِّينَ لَنَزِّلنا عَلَيهم مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسولا* قُل كَفى بِاللهِ شَهيداً بَيني وَبَينَكُم إِنّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً)
(الآيات 88 ـ 96).
فأتمّ اللهُ الربُّ عليهم الحجّة، وقال: (إن كُنتُم في رَيب ممّا نَزلنا عَلى عَبدِنا فَأتوا بِسُورَة مِن مِثْلِهِ وَادعوا شُهَداءَكُم)، وَأَخْبَرَ أَنَّ الإنس والجنّ لو اجتمعوا لَمَا استطاعوا أن يأتوا بمثله وإنْ كان بعضهم لبعض ظهيراً، وأكَّد ذلك وقال: لَنْ تستطيعوا أن تأتوا بمثله، وحتى عصرنا الحاضر لم يستطع خصوم الإسلام ـ على كثرتهم وما يملكون من قوى ضخمة ومتنوعة ـ أن يأتوا بسورة من مثل القرآن.
بعد هذا التحدِّي الصارخ وإتيان الأمر المعجز للإنس والجنّ، وعجز قريش عن الإتيان بمثله، طلبوا من الرسول (ص) أن يغيِّر مناخ مكّة وأن يكون له بيتٌ من ذهب، أو يأتي بالله والملائكة قبيلا، أو يرقى في السماء ولا يؤمنون لِرقيِّه حتى ينزِّل عليهم كتاباً يقرؤونه، وكان في ما طلبوا;
الأمرُ المحالُ وهو أن يأتيَ باللهِ وَالمَلائِكَةِ قَبيلا تَعالى اللهُ عمّا قالَه الظّالِمونَ عُلُوّاً... وكان فيه ما يخالف سنن الله في إرسال الأنبياء بأن يرقى أمامهم إلى السماء ويأتي لهم بكتاب وهو ما خصَّ اللهُ رسله من الملائكة وليس من شأن البشر، واستنكروا أنْ يبعث الله لهم بشراً رسولا، في حين أنّ الحكمة تقتضي أن يكون الرسل من جنس البشر ليكونوا في عملهم قدوةً وأُسوةً لقومهم، ولم تكن سائر طلباتهم موافقة لمقتضى الحكمة، مثل طلبهم أن ينزِّل عليهم العذاب، ولذلك أمر أن يُجيبهم ويقول: (سُبحانَ رَبِّي هَل كُنتُ إلاّ بَشَراً رَسُولا).
وخلاصة ما ذكرناه أن حكمة الربّ اقتضت أنَّ المرسل من قبله يأتي بآية من ربِّه تدلُّ على صدق ادِّعائه، ويُتَّم بذلك الحجَّةَ على الناس، وعندئذ يؤمن من شاء أنْ يؤمن، ويجحد من شاء أنْ يجحد، كما كان شأن قوم موسى وهارون(ع) بعد إتيان المعجزات، فقد آمنت السحرة وكفر بها فرعون وملأهُ فأخزاهم الله بالغَرَقِ، وما يأتي به الأنبياء من قبل الله ـ سبحانه وتعالى ـ يسمَّى في المصطلح الإسلامي بالمعجزة دليلا على صدقهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق